المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ابوهشام - 234 | ||||
ريان لال - 233 | ||||
البدري - 209 | ||||
الهاشمي2 - 171 | ||||
يوسف مدني الولو - 149 | ||||
<الهذلي> - 116 | ||||
سعد501 - 97 | ||||
البرنس - 82 | ||||
فوفو ابو رامي - 62 | ||||
ابراهيم مصلى - 42 |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 15 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 15 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 292 بتاريخ الأحد أغسطس 19, 2012 1:44 am
الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((2))
صفحة 1 من اصل 1
الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((2))
الفصل الثالث
في الصوم
يأتي الصوم في الدرجة الثالثة من الأهمية في تزكية النفس، فمن الشهوات العاتية التي يمكن أن تحرف الإنسانَ شهوتا البطن والفرج، والصومُ تعويد النفس التحكم بهاتين الشهوتين، ولذلك كان عاملاً مهماً من عوامل تزكية النفس وإذا كان الصبر من أرقى مقامات النفس، فإن الصوم تعويد للنفس على الصبر ولذلك ورد في الحديث: (الصوم نصف الصبر) أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن، وقد جعل الله الصوم وسيلة للتحقق بمقام التقوى، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] والتقوى هي مطلب الله من العباد وهي تساوي تزكية النفس، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] والصوم نافلة وفريضة، ولما كان الكلام في تزكية النفس فسنقتصر على آداب الصائم لأنه بذلك يؤدي الصوم دوره الأكبر في التزكية، وهاك كلام الغزالي في ذلك: قال رحمه الله:
أسرار الصوم وشروطه الباطنة
أعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم: فهو كَفُّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص، فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر المجازي في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تُرادُ للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا. وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقرّبين ولا نُطوّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل: {قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91].
وأما صوم الخصوص: وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفاً من الله آتاه الله عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه" [أخرجه الحاكم وصحح إسناده].
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان. وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، رواه بشر بن الحارث عنه. وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفثْ ولا يجهل وإِنِ امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقلْ إني صائم إني صائم". [متفق عليه].
الثالث: كف السمع عن الإِصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإِصغاء إليه ولذلك سوّى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وقال عز وجل: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ} [المائدة: 63] فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات عند الإِفطار. فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً ويهدم مصراً فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله. وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً. والحرام سم مهلك للدين. والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كمْ من صائمٍ ليس له من صومه إلا الجوع والعطش". [أخرجه النسائي وابن ماجه] فقيل هو الذي يفطر على الحرام، وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإِفطار بحيث يمتلئ جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مُلئ من حلال. وكيف يستفاد من الصوم قهر عدّو الله وكسر الشهوة إِذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى.
السادس: أن يكون قلبه بعد الإِفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أَيقْبلُ صومه فهو من المقربين أو يرد فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها، فقد روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون.
قال أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم! ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين. ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم.
الفصل الرابع
في الحج
قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] فالحج تعويد للنفس على معان، من استسلام وتسليم، ومن بذل الجهد والمال في سبيل الله، ومن تعاون وتعارف، ومن القيام بشعائر العبودية، وكل ذلك له آثاره في تزكية النفس كما أنّه عَلمَ على التحقق بزكاة النفس.
ولكي يؤدي الحج ثمراته كاملة لا بدّ من مراعاة الآداب والأعمال القلبية فيه وهذا الذي ينصب عليه حديث هذا الكتاب، وهاك كلام الغزالي في ذلك: قال رحمه الله تحت عنوان (في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة للحج):
1- بيان دقائق الآداب:
[أ] أن تكون النفقة حلالاً وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرّق الهمّ حتى يكون الهمّ مجرداً لله تعالى والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره.
[ب] التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإِنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد. وأعني بالإِسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفّه بشرب أنواعها على عادة المترفين.
[ج] ترك الرفث والفسوق الجدال كما نطق به القرآن. والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدّث بشأن الجماع ومقدّماته، فإن ذلك يهيّج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور. والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق.
[د] أن يحج ماشياً إن قدر عليه فذلك الأفضل، والتردد ماشياً من مكة إلى المواقف وإلى منى آكد منه في الطريق.
[هـ] أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب في ديوان المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين.
[و] أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوّعا ولا يأكل منه إن كان واجبا إلا بفتوى إمام.
[ز] أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك فإنّ ذلك من دلائل قبول حجّه.
[2] بيان الأعمال الباطنة ووجه الإِخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره.
اعلم أن أول الحج الفهم - أعني موقع الحج في الدين - ثم الشوق إليه ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه، ثم شراء ثوب الإِحرام من الميقات بالتلبية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال، وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفَطِن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشف لكل حاجّ من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه.
في الصوم
يأتي الصوم في الدرجة الثالثة من الأهمية في تزكية النفس، فمن الشهوات العاتية التي يمكن أن تحرف الإنسانَ شهوتا البطن والفرج، والصومُ تعويد النفس التحكم بهاتين الشهوتين، ولذلك كان عاملاً مهماً من عوامل تزكية النفس وإذا كان الصبر من أرقى مقامات النفس، فإن الصوم تعويد للنفس على الصبر ولذلك ورد في الحديث: (الصوم نصف الصبر) أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن، وقد جعل الله الصوم وسيلة للتحقق بمقام التقوى، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] والتقوى هي مطلب الله من العباد وهي تساوي تزكية النفس، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] والصوم نافلة وفريضة، ولما كان الكلام في تزكية النفس فسنقتصر على آداب الصائم لأنه بذلك يؤدي الصوم دوره الأكبر في التزكية، وهاك كلام الغزالي في ذلك: قال رحمه الله:
أسرار الصوم وشروطه الباطنة
أعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم: فهو كَفُّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص، فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر المجازي في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تُرادُ للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا. وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقرّبين ولا نُطوّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل: {قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91].
وأما صوم الخصوص: وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفاً من الله آتاه الله عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه" [أخرجه الحاكم وصحح إسناده].
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان. وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، رواه بشر بن الحارث عنه. وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفثْ ولا يجهل وإِنِ امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقلْ إني صائم إني صائم". [متفق عليه].
الثالث: كف السمع عن الإِصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإِصغاء إليه ولذلك سوّى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وقال عز وجل: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ} [المائدة: 63] فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات عند الإِفطار. فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً ويهدم مصراً فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله. وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً. والحرام سم مهلك للدين. والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كمْ من صائمٍ ليس له من صومه إلا الجوع والعطش". [أخرجه النسائي وابن ماجه] فقيل هو الذي يفطر على الحرام، وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإِفطار بحيث يمتلئ جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مُلئ من حلال. وكيف يستفاد من الصوم قهر عدّو الله وكسر الشهوة إِذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى.
السادس: أن يكون قلبه بعد الإِفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أَيقْبلُ صومه فهو من المقربين أو يرد فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها، فقد روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون.
قال أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم! ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين. ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم.
الفصل الرابع
في الحج
قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] فالحج تعويد للنفس على معان، من استسلام وتسليم، ومن بذل الجهد والمال في سبيل الله، ومن تعاون وتعارف، ومن القيام بشعائر العبودية، وكل ذلك له آثاره في تزكية النفس كما أنّه عَلمَ على التحقق بزكاة النفس.
ولكي يؤدي الحج ثمراته كاملة لا بدّ من مراعاة الآداب والأعمال القلبية فيه وهذا الذي ينصب عليه حديث هذا الكتاب، وهاك كلام الغزالي في ذلك: قال رحمه الله تحت عنوان (في الآداب الدقيقة والأعمال الباطنة للحج):
1- بيان دقائق الآداب:
[أ] أن تكون النفقة حلالاً وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب وتفرّق الهمّ حتى يكون الهمّ مجرداً لله تعالى والقلب مطمئناً منصرفاً إلى ذكر الله تعالى وتعظيم شعائره.
[ب] التوسع في الزاد وطيب النفس بالبذل والإِنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل على اقتصاد. وأعني بالإِسراف التنعم بأطيب الأطعمة والترفّه بشرب أنواعها على عادة المترفين.
[ج] ترك الرفث والفسوق الجدال كما نطق به القرآن. والرفث اسم جامع لكل لغو وخنى وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن والتحدّث بشأن الجماع ومقدّماته، فإن ذلك يهيّج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور. والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل. والجدال هو المبالغة في الخصومة والمماراة بما يورث الضغائن ويفرق في الحال الهمة ويناقض حسن الخلق.
[د] أن يحج ماشياً إن قدر عليه فذلك الأفضل، والتردد ماشياً من مكة إلى المواقف وإلى منى آكد منه في الطريق.
[هـ] أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر فيكتب في ديوان المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين.
[و] أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوّعا ولا يأكل منه إن كان واجبا إلا بفتوى إمام.
[ز] أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك فإنّ ذلك من دلائل قبول حجّه.
[2] بيان الأعمال الباطنة ووجه الإِخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره.
اعلم أن أول الحج الفهم - أعني موقع الحج في الدين - ثم الشوق إليه ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه، ثم شراء ثوب الإِحرام من الميقات بالتلبية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال، وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفَطِن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشف لكل حاجّ من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه.
تـــــــــ3ــــابـــع
ريان لال- مشرف
- عدد المساهمات : 233
تاريخ التسجيل : 04/06/2009
العمر : 32
الإقامة : Makkah
العمل : طالب
مواضيع مماثلة
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((9))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((3))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((4))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((5))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((6))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((3))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((4))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((5))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((6))
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء فبراير 18, 2014 5:25 pm من طرف يوسف مدني الولو
» نهاية الحزن باذن الله
الثلاثاء فبراير 18, 2014 5:19 pm من طرف يوسف مدني الولو
» كل عام وانتم بخير
الثلاثاء أغسطس 20, 2013 4:40 pm من طرف يوسف مدني الولو
» خلفيات لسطح المكتب بأسماء الصحابة
السبت يونيو 15, 2013 7:06 am من طرف الهاشمي2
» عذرا ابا القاسم
الخميس سبتمبر 20, 2012 10:03 am من طرف الهاشمي2
» إلا الحبيب يا عباد الصليب
الأحد سبتمبر 16, 2012 10:41 am من طرف الهاشمي2
» للتحميل تكبير العيد mp3
الأحد أغسطس 19, 2012 3:57 am من طرف الهاشمي2
» موضوع هام جدا ياشباب
الخميس يوليو 05, 2012 4:16 pm من طرف يوسف مدني الولو
» للتنبيه - لعبة مسدس فيها صوت أضرب السيدة عائشة
السبت مايو 26, 2012 11:35 am من طرف الهاشمي2
» نونية القحطاني { كاملة صوت وكتاب }
الثلاثاء فبراير 28, 2012 12:02 pm من طرف الهاشمي2