المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ابوهشام - 234 | ||||
ريان لال - 233 | ||||
البدري - 209 | ||||
الهاشمي2 - 171 | ||||
يوسف مدني الولو - 149 | ||||
<الهذلي> - 116 | ||||
سعد501 - 97 | ||||
البرنس - 82 | ||||
فوفو ابو رامي - 62 | ||||
ابراهيم مصلى - 42 |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 292 بتاريخ الأحد أغسطس 19, 2012 1:44 am
الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((6))
صفحة 1 من اصل 1
الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((6))
في ذكر الموت والترغيب في الإِكثار من ذكره
اعلم أن المنهمك في الدنيا المكِّبَ على غرورها المحبَّ لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره وإذا ذكِّر به كرهه ونفر منه، أولئك هم الذين قال الله فيهم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8] ثم الناس: إما منهمكٌ، وإما تائب مبتدئ، أو عارف منته. أما المنهمك: فلا يذكر الموت، وإنْ ذكره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بُعداً. وأما التائب: فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه". [متفق عليه] فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره، وهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجهٍ يرضاه فلا يعد كارهاً للقائه. وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا، وأما العارف: فإنه يذكر الموت دائماً لأنه موعدُ لقائه لحبيبه، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب، وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.
قصر الأمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "إذا أصبحت فلا تحدِّث نفسك بالمساء وإذا أمسيتَ فلا تحدث نفسك بالصباح، وخُذْ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً". [أخرجه ابن حبان ورواه البخاري من قول ابن عمر في آخر حديث "كن في الدنيا كأنك غريب".
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاثة أعواد فغرز عوداً بين يديه، والآخر إلى جنبه، وأما الثالث فأبعده، فقال: (هل تدرون ما هذا؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (هذا الإِنسان وهذا الأَجل وذاك الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيةً إنْ أخطأته المنايا وقع في الهرم) قال ابن مسعود: هذا المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه، والهرم وراء الحتوف، والأمل وراء الهرم، فهو يؤمل وهذه الحتوف شوارع إليه فأيها أمر به أخذه فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم وهو ينتظر الأجل.
قال عبد الله: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط وسطه خطاً، وخط خطوطاً إلى جنب الخط، وخط خطاً خارجاً وقال: "أتدرون ما هذا؟" قلنا الله ورسوله أعلم، قال: "هذا الإِنسان - للخط الذي في الوسط - وهذا الأجل محيط به، وهذه الأعراض - للخطوط التي حوله - تنهشه إن أخطأه هذا نهشه هذا، وذاك الأمل" [أخرجه البخاري] - يعني الخط الخارجي.
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان الحرص والأمل". [أخرجه مسلم].
بيان السبب في طول الأمل وعلاجه
اعلم أن طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر: حب الدنيا.
أما حب الدنيا: فهو أنه إذا أَنِسَ بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثَقُلَ على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه.
وأما الجهل: فهو أن الإِنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عُدُّوا لكانوا أقل من عُشْرِ رجال البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب. وقد يستبعد الموت لصحته ويستبعد الموت فجأة، ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيداً فالمرض فجأة غير بعيد، كل مرض فإنما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيداً.
وإذا عرفت أن سببه الجهل وحب الدنيا فعلاجه دفع سببه.
(أما الجهل) فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر وبسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة.
(وأما حب الدنيا) فالعلاج في إخراجه من القلب شديد، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين علاجه، ولا علاج له إلا الإِيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير، فإذا رأى حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها وإن أعطي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، كيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدّر منغّص، فكيف يفرح بها أو يترسّخ في قلب حبها مع الإِيمان بالآخرة؟ ولا علاج في تقرير الموت في القلب مثل النظر إلى من مات من الأقران والأشكال وأنهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسبوا. أما من كان مستعداً فقد فاز فوزاً عظيماً، وأما من كان مغروراً بطول الأمل فقد خسر خسراناً مبيناً.
الفصل التاسع
في المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة
إن النفس والقلب يحتاجان إلى تعاهد يومي، بل إلى تعاهد بين الآن والآن، وما لم يتعاهد الإنسان نفسه يومياً أو آنياً يجدها قد شردت كثيراً، كما يجد القلب قد قسا وغفل، ومن ههنا اعتمد أهل السير إلى الله المشارطة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة، وسائل من وسائلِ تزكية النفس، وها نحن ننقل لك بعضاً من كلام الغزالي في هذا الموضوع.
قال رحمه الله:
المراقبة والمحاسبة
قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] وقال تعالى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة: 6 -8] وقال تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30] {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة: 235] فعرف أربابُ البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في الحساب ويُطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفَّ في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحَسُنَ منقلبه ومآبه، ومَنْ لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته، فلما انكشف لهم ذلك علموا أنه لا ينجيهم منه إلا طاعة الله وقد أمرهم بالصبر والمرابطة فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] فرابطوا أنفسهم أولا بالمشارطة، ثم بالمراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاتبة. فكانت لهم في المرابطة ست مقامات.
بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل
اعلم أن العبد كما يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه على سبيل التوصية بالحق فينبغي أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصاً منهم على الدنيا، وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخسارة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلا أياماً قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه.
المجاهدة
وهو أنه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغي أن يعاقبها بالعقوبات التي مضت، وإن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغي أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنوناً من الوظائف جبراً لما فات منه وتداركاً لما فرط، فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى، فقد عاقب عمر بن الخطاب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم، وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة، وأخر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين، كل ذلك مرابطة للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها.
اعلم أن المنهمك في الدنيا المكِّبَ على غرورها المحبَّ لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره وإذا ذكِّر به كرهه ونفر منه، أولئك هم الذين قال الله فيهم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8] ثم الناس: إما منهمكٌ، وإما تائب مبتدئ، أو عارف منته. أما المنهمك: فلا يذكر الموت، وإنْ ذكره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بُعداً. وأما التائب: فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه". [متفق عليه] فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره، وهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجهٍ يرضاه فلا يعد كارهاً للقائه. وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا، وأما العارف: فإنه يذكر الموت دائماً لأنه موعدُ لقائه لحبيبه، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب، وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.
قصر الأمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "إذا أصبحت فلا تحدِّث نفسك بالمساء وإذا أمسيتَ فلا تحدث نفسك بالصباح، وخُذْ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً". [أخرجه ابن حبان ورواه البخاري من قول ابن عمر في آخر حديث "كن في الدنيا كأنك غريب".
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاثة أعواد فغرز عوداً بين يديه، والآخر إلى جنبه، وأما الثالث فأبعده، فقال: (هل تدرون ما هذا؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (هذا الإِنسان وهذا الأَجل وذاك الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيةً إنْ أخطأته المنايا وقع في الهرم) قال ابن مسعود: هذا المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه، والهرم وراء الحتوف، والأمل وراء الهرم، فهو يؤمل وهذه الحتوف شوارع إليه فأيها أمر به أخذه فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم وهو ينتظر الأجل.
قال عبد الله: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط وسطه خطاً، وخط خطوطاً إلى جنب الخط، وخط خطاً خارجاً وقال: "أتدرون ما هذا؟" قلنا الله ورسوله أعلم، قال: "هذا الإِنسان - للخط الذي في الوسط - وهذا الأجل محيط به، وهذه الأعراض - للخطوط التي حوله - تنهشه إن أخطأه هذا نهشه هذا، وذاك الأمل" [أخرجه البخاري] - يعني الخط الخارجي.
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان الحرص والأمل". [أخرجه مسلم].
بيان السبب في طول الأمل وعلاجه
اعلم أن طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر: حب الدنيا.
أما حب الدنيا: فهو أنه إذا أَنِسَ بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثَقُلَ على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه.
وأما الجهل: فهو أن الإِنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عُدُّوا لكانوا أقل من عُشْرِ رجال البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب. وقد يستبعد الموت لصحته ويستبعد الموت فجأة، ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيداً فالمرض فجأة غير بعيد، كل مرض فإنما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيداً.
وإذا عرفت أن سببه الجهل وحب الدنيا فعلاجه دفع سببه.
(أما الجهل) فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر وبسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة.
(وأما حب الدنيا) فالعلاج في إخراجه من القلب شديد، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين علاجه، ولا علاج له إلا الإِيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير، فإذا رأى حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها وإن أعطي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، كيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدّر منغّص، فكيف يفرح بها أو يترسّخ في قلب حبها مع الإِيمان بالآخرة؟ ولا علاج في تقرير الموت في القلب مثل النظر إلى من مات من الأقران والأشكال وأنهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسبوا. أما من كان مستعداً فقد فاز فوزاً عظيماً، وأما من كان مغروراً بطول الأمل فقد خسر خسراناً مبيناً.
الفصل التاسع
في المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة
إن النفس والقلب يحتاجان إلى تعاهد يومي، بل إلى تعاهد بين الآن والآن، وما لم يتعاهد الإنسان نفسه يومياً أو آنياً يجدها قد شردت كثيراً، كما يجد القلب قد قسا وغفل، ومن ههنا اعتمد أهل السير إلى الله المشارطة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة، وسائل من وسائلِ تزكية النفس، وها نحن ننقل لك بعضاً من كلام الغزالي في هذا الموضوع.
قال رحمه الله:
المراقبة والمحاسبة
قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] وقال تعالى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة: 6 -8] وقال تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30] {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة: 235] فعرف أربابُ البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في الحساب ويُطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفَّ في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحَسُنَ منقلبه ومآبه، ومَنْ لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته، فلما انكشف لهم ذلك علموا أنه لا ينجيهم منه إلا طاعة الله وقد أمرهم بالصبر والمرابطة فقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] فرابطوا أنفسهم أولا بالمشارطة، ثم بالمراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاتبة. فكانت لهم في المرابطة ست مقامات.
بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل
اعلم أن العبد كما يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه على سبيل التوصية بالحق فينبغي أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصاً منهم على الدنيا، وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخسارة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلا أياماً قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه.
المجاهدة
وهو أنه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغي أن يعاقبها بالعقوبات التي مضت، وإن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغي أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنوناً من الوظائف جبراً لما فات منه وتداركاً لما فرط، فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى، فقد عاقب عمر بن الخطاب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم، وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة، وأخر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين، كل ذلك مرابطة للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها.
تـــــ7ـــابــع
ريان لال- مشرف
- عدد المساهمات : 233
تاريخ التسجيل : 04/06/2009
العمر : 32
الإقامة : Makkah
العمل : طالب
مواضيع مماثلة
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((2))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((3))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((4))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((5))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((7))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((3))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((4))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((5))
» الأخلاق :تابع الباب الثاني أهم وسائل التزكية ((7))
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء فبراير 18, 2014 5:25 pm من طرف يوسف مدني الولو
» نهاية الحزن باذن الله
الثلاثاء فبراير 18, 2014 5:19 pm من طرف يوسف مدني الولو
» كل عام وانتم بخير
الثلاثاء أغسطس 20, 2013 4:40 pm من طرف يوسف مدني الولو
» خلفيات لسطح المكتب بأسماء الصحابة
السبت يونيو 15, 2013 7:06 am من طرف الهاشمي2
» عذرا ابا القاسم
الخميس سبتمبر 20, 2012 10:03 am من طرف الهاشمي2
» إلا الحبيب يا عباد الصليب
الأحد سبتمبر 16, 2012 10:41 am من طرف الهاشمي2
» للتحميل تكبير العيد mp3
الأحد أغسطس 19, 2012 3:57 am من طرف الهاشمي2
» موضوع هام جدا ياشباب
الخميس يوليو 05, 2012 4:16 pm من طرف يوسف مدني الولو
» للتنبيه - لعبة مسدس فيها صوت أضرب السيدة عائشة
السبت مايو 26, 2012 11:35 am من طرف الهاشمي2
» نونية القحطاني { كاملة صوت وكتاب }
الثلاثاء فبراير 28, 2012 12:02 pm من طرف الهاشمي2